ما هو المجتمع؟

ما هو المجتمع؟


ما هو المجتمع تحديداً؟

إنه ليس كومة من البشر؛ بل هو شبكة علاقات إنسانية، ترابطت بطريقة هندسية معينة.

والذي يحكم التفوق من الانحطاط في الجماعة الإنسانية، هو طريقة التراكب والتراص للشبكة الداخلية.

وهو ما يميز الفحم عن الألماس؛ فكله فحم؟! ولكن صلابة الألماس تعود لهندسة الذرات الداخلية.

والقرآن اعتبر أن عشرين صابرين يغلبون مائتين بأنهم لا يفقهون.

ونحن نعرف من الكيمياء العضوية أن تعطيل مفعول السم، يتم بتبديل جذر الهيدروكسيل.

ويعلمنا المجهر الإلكتروني أن الفيروس الخطير، يتم تعطيل مفعوله بإنزيم يشطره عند تمفصل حمض نووي واحد.

وتفيدنا تقنية الجينات أن فقر الدم المنجلي سببه خلل في حمض آميني واحد، من سقالة تضم 574 حمضاً آمينياً اسمها الهيموغلوبين.

ويبدو المجتمع في الحياة على (شكل) و (وظيفة) مثل كل مخلوقات الله، سواء كان شيئاً مادياً، أو تركيباً عضوياً معقداً؛ سواء كان كرسيا أو كمبيوترا، خلية أم عقرب.

الكرسي بقوائم، والعقرب بإبرة لدغ، والكمبيوتر بصندوق وشرائح كمبيوترية وشاشة وكيبورد.

وتتدرج (الوظيفة) من (الجلوس) على الكرسي، فلهذا خلق وله صنع وعمل، أي وظيفة الجلوس للكرسي مريحا أو مزعجا كان؟

أو الدخول إلى عالم الكمبيوتر وكتابة المقالات وإرسالها بالانترنت فلهذا خلق وفيه مآرب أخرى.

أو استخراج أمصال من دم العقرب الأصفر تفيد في مقاومة الأشعة النووية، فقد ثبت أنه يصمد أمام قصف الأشعة النووية 300 مرة أكثر من الإنسان.

ويحدث الموت في المجتمع أو أي كائن حي على دفعتين:

توقف الوظيفة ليعقبها تحلل الشكل.

وعندما نفك قطع الكرسي يكف أن يسمى كرسياً، ولو كانت كل قطعه موجودة؛ فالكائن يأخذ اسمه من ترابط قطعه الأساسية معا سوية حينما تؤدي الوظيفة. ولا يبقى الشيء حين تتفكك قطعه عن بعض ولو أنها موجودة بأكملها؟

وعندما يموت الإنسان يتحلل إلى مواده الأولية، ويرجع إلى دورة الطبيعة فلا يضيع منه شيء.

"قد علمنا ما تنقص الأرض منهم وعندنا كتاب حفيظ".

وعندما يموت المجتمع تبقى ذراته الأولية من (الأفراد) كمواد خام من البيولوجيا، لتستخدم (طوب) بناء في مجتمع آخر حي بثقافة مختلفة، كما نفعل نحن مع الطعام الذي نأكله؛ فيحوله جسدنا إلى خلايا حية منا، ويقلبها إلى مواد تأخذ معالم شخصيتنا.

هكذا ابتلعت روما قرطاجنة بعد معركة زاما، بأشد من ابتلاع أفعى الأناكوندا قردا كبيرا. بعد أن أبادت مدينة حوت نصف مليون إنسان فقتلت 450 ألفا وأخذت خمسين ألفا عبيدا، فهذه هي حضارة الرومان، حتى جاء الفتح الإسلامي، وكان ضروريا قدومها حتى ينهي فظاعة الرومان. والله أعلم حيث يجعل رسالته سيصيب الذين أجرموا من الرومان صغار شديد وعذاب..

وهو ما فعلته روما أيضا مع المجتمع الفرعوني والغالي، بعد استسلام فرسيجيانوس.

واليوم لا يوجد إنسان واحد ينطق الفرعونية.

وهذه الأيام يتعرض العرب لمحنة بالغة، والعراق أصبح ثلاثا، وهو مصير يهدد الكثير من الدول العربية الرخوة الهشة.

فهل المجتمع العربي في مرحلة (توقف الوظيفة)؟ أم (تحلل الشكل)؟

هل مات ويتفسخ مثل الجثث وتتناوب على افتراسه هوام الأرض؟ أم أنه حي يرزق؟

والجواب على هذا السؤال، في حل هذه الأحجية، ينفعنا فيه قصة جحا الثلاثية، فحين سأل الناس هل تعرفون ما سأقول؟ احتاروا في الإجابة وفي النهاية انقسم الناس على حزبين واحد تظاهر بأنه يعرف، والثاني تظاهر أنه لا يعرف. قال ببساطة: فليعلِّم من يعلم من لا يعلم؟